عندما تمسك في يدك تمر سكري ملكي حبة كبيرة فأنت ترى المشهد الختامي من قصة طويلة للغاية، ربما تكون قد بدأت ببذرة صغيرة (نواة حبة التمر) أو فسيلة نخلة التمر السكري. في هذه القصة كان هناك أحداث كثيرة ما بين بذر البذرة، وتلقيح النخلة، وظهور الطلع، وتشكل الخلال، وتلوّن البُسْر، وترطب الرطب، حتى جفاف التمرة، وقطافها لتصل إلى يدك.
هذه الرحلة يسير فيها كل أنواع التمر سواء تمر سكري ملكي حبة كبيرة أو تمر مجدول أو خلاص أو صقعي أو عجوة المدينة أو أي نوع آخر. هذه رحلة تخوضها جميع أنواع التمور كافة، ولا يتخلف منها أحد. ولكن الثمرة النهائية – سبحان الله – هي التي تختلف عن أختها، في الشكل واللون والطعم، بل ومقدار السكر فيها.
من العجيب أنك تظن أن رحلة النخلة تبدأ من البذرة (نواة التمر). هذا صحيح بالنسبة للبداية الأولى التي نشأت عليها زراعة نخيل التمر. ولكن الحقيقة هي أن زراعة النخيل من خلال بذر نواة التمرة في التربة المناسبة ليست دائمة هي الخطوة الصحيحة. لماذا؟
تستغرق عملية زراعة النخلة لأول مرة نحو 7 – 10 سنوات، وتختلف المدة حسب نوع النخلة. ولا تكون النتيجة في الغالب هو ما نتمنى، سواء على مستوى طعم التمرة، أو حجم المحصول، أو القيمة الاقتصادية للنخل بشكل عام. لذلك تحدث في كثير من الأحيان أن تبوء هذه الرحلة بالفشل، وهي رحلة طويلة كما لك أن تتصور.
كيف يتم زراعة نخيل البلح إذًا؟
عن طريق السلالات النقية التي تم تجربتها من قبل، وشوهد محصولها السنوي، وتم تجربة طعمها وَوُجِدَ أنه عليه إقبال من المستخدم، ويمكن التكسب من بيعه. فمن نخلة كهذه تم استخراج تمر سكري ملكي حبة كبيرة وتمر مجدول وتمر خلاص، وغيره من الأنواع المشهورة في البيئة العربية.
فمن هذه الأنواع يتم جلب فسائل النخيل وهي صغيرة، وأخذها إلى الأراضي الزراعية المهيأة لزراعة النخيل، وبدء زراعة النخيل بالأدوات العصرية الحديثة المعينة على الري والمتابعة والحصاد، حتى نحصل على المحصول الذي يمكن استغلاله تجاريًا.
تمر عملية زراعة التمر على شجرته المعمرة بخمس مراحل. كل مرحلة تأخذ وقتها من الزمن حتى تصل التمرة إلى ما يمكن نعته بأنه تمر سكري ملكي حبة كبيرة. يتم زراعة التمر السكري في الأساس في منطقة القصيم. يوجد ملايين النخيل للتمر السكري في منطقة القصيم، ومنه يخرج أفضل أنواع التمر السكري على الإطلاق وأكثرها حلاوة. اُشتهرت القصيم بذلك منذ القدم (ومن القصيم نجلب جميع تمور الشيخ إلى متجرنا).
تبدأ رحلة نمو التمر على النخيل بمرحلة قبلية قبل المرحلة الأولى، وهي مرحلة التلقيح. في العادة كانت تتكفل الطبيعية بخطوة التلقيح، فكانت حبوب اللقاح تنتقل بفعل الرياح أو الطيور أو الحشرات. أما مع اتساع نطاق الزراعة والتجارة في عالم النخيل على مدار عقود وقرون، فقد ظهرت مهنة الثكَّار أو الذكَّار الذي يقوم بعملية تلقيح النخلة. تُسمى هذه العملية بالتنبيت أو التأبير، ويختلف المسمى من منطقة لأخرى.
يقوم بهذه المهمة شخص متخصص يفهم في طبيعة النخل – الثكَّار أو الذكَّار – فيأخذ حبوب اللقاح من فحل النخيل (النخلة الذكر) وينثره لدى طلع الإناث من النخيل. يتم نثر الكمية باتزان فلا تزيد ولا تنقص عن حاجة النخلة الأنثى حتى تنبت بشكل طبيعي، وتعطي المحصول المتوقع منها. بعد التلقيح بأربعة أسابيع تقريبًا تبدأ المرحلة الأولى من مراحل نمو النخل في الظهور.
تظهر هذه المرحلة بعد التلقيح بنحو 4 – 5 أسابيع. يشبه الطلع سنابل القمح قليلًا، ولكنه يبدو أكبر في الحجم. لونه أبيض أو أصفر. هذه هي المرحلة الأولى من مراحل نمو التمر.
يبدأ التمر التشكل في حبيبات. كل نوع حسب الشكل النهائي الذي سيكون عليه عندما يكتمل نموه. فنجد التمر البرحي يستدير ونجد التمر المجدول يستطيل، ولكنه يكون أخضر اللون، وأصغر الحجم قليلاً. ليس به سكر ولكن قشرته ناعمة وملساء.
يُطلق عليها البُسْر ويُطلق عليها في بعض المجتمعات والبلدان البلح. وهي المرحلة التي يتلون فيها التمر ليأخذ لونه المميز الذ يُعرف به في هذه المرحلة. قد يكون أصفر وقد يكون أحمر. في هذه المرحلة تزداد نسبة الماء في التمر وتزداد معه نسبة الألياف وكذا السكريات. فتبدو التمرة مستساغة عند تناولها، وإن كانت صعبة المضغ نوعًا ما مقارنة بالتمر الذي نعرفه في مراحله الأخيرة.
هناك بعض أنواع التمور يتم تسويقها وبيعها تجاريًا في هذه المرحلة، وأشهرهم التمر البرحي.
وكما هو واضح من اسمها، تبدأ التمرة في الترطب. أي تكتسب المزيد من الماء والسكر. في هذه المرحلة تصبح التمرة هشة للغاية، إذ يمكن إخراج النواة منها بضغطة بسيطة على جانبيها. تبدأ الرطوبة في الزحف على التمرة من أسفلها لأعلاها، حتى تصل إلى القمع، وتصبح رطبة بالكامل.
هناك الكثير من أنواع التمر التي يتم قطفها وبيعها تجاريًا في مرحلة الرطب. ولعل أشهرهم هو التمر السكري الملكي، الذي يمكن بيعه في مرحلة الرطب، وكذلك في مرحلة التمر.
وهي المرحلة الأخيرة في رحلة نمو التمر، وهي التي يُعرف بها كلمة "تمر" في جميع أنحاء العالم عندما تُذكر. وفي هذه المرحلة تجف التمرة من الماء تمامًا ويزداد فيها الكربوهيدرات، ويزداد تركيز السكر فيها للضعف.
التمر في هذه المرحلة يمكن نقله بسهولة، وتخزينه لفترات طويلة تصل في الكثير من الأحيان إلى عام كامل. وفي هذه المرحلة تُعرف جميع أنواع التمور بأسمائها المشهورة. فنرى تمر سكري ملكي حبة كبيرة، ونرى تمر مجدول، ونرى تمر خلاص، ونرى تمر صقعي، وغيرها من أنواع التمور المشهورة في الأسواق العربية.
عن طريق تجفيف التمر في مرحلة الرطب، والسماع بتجفيف الرطوبة منه حتى يتبخر منه كل الماء تمامًا. عند هذه المرحلة يصير التمر تمرًا. فتزداد به نسبة السكر والكربوهيدرات، وتقل نسبة الماء كثيرًا، وتزداد حبة التمر صلابة، وتصبح مهيأة أكثر للنقل والتخزين والتداول.
كما تم التوضيح بالمراحل السابقة فإنه للحصول على التمر في صورته النهائية (التمر الجاف) يُترك على شجرة النخيل حتى يفقد ما اكتسبه من ماء ويصير جافًا صالحًا للتخزين.
لعلك تعرف الفارق الآن بعد أن تعرفت على مراحل نمو التمر. فالبلح يُشار به إلى مرحلة البُسْر في الغالب. وقد تختلف التسمية من بلد إلى بلد. ولكن غالبية البلدان تُطلق على مرحلة البُسْر لفظة (بلح). أما الرطب فهو عندما تكتسب التمرة الماء وتصبح طازجة أكثر. وهي في هذه المرحلة تكون المفضلة عند الكثيرين بسبب طبيعتها الهشة سهلة المضغ وسهلة الهضم، وكذلك لاحتوائها على عدد أقل من السعرات الحرارية وكذا السكريات. ففي الوقت الذي يحتوي فيه 100 غرام من التمر على 280 سعر حراري تقريبًا، يحتوي نفس الوزن من الرطب على 124 سعر حراري. ولعل هذا يوضح الفرق بين الرطب والتمر في السعرات.
أما مرحلة التمر فهي المرحلة الأخيرة من نمو التمر، فيها يتم قطفه وتخزينه لتداوله في الأسواق وبيعه للمستخدمين. والميزة في مرحلة التمر بجانب حلاوة الطعم، هو سهولة النقل والتخزين. ففي الوقت الذي قد يتلف فيه الرطب بسبب هشاشته، يظل التمر صامدًا قرابة العام، ولكن في ظروف تخزينية جيدة بالطبع.
الحصول على تمر سكري ملكي حبة كبيرة لا يتم بين ليلة وضحاها. ولكنه رحلة تمتد على مدار موسم زراعي كامل لتصل الحبة فيه إلى تلك الحالة التي تأكلها عليها. فمن مرحلة الطلع التي تلي التلقيح، تأتي مرحلة الخلال التي يظهر فيها التمر بلونه الأخضر وجسمه الأملس، ثم مرحلة البُسر أو البلح عندما تتلون التمرة عن اللون الأخضر، ثم تبدأ باكتساب الماء لتصير رطبًا، وأخيرًا تجف لتصير تمرًا. وخلال هذه الرحلة هناك من الأنواع ما يمكن أكله بُسرًا ورطبًا وتمرًا مثل البرحي، وهناك ما يمكن أكله رطبًا وتمرًا مثل تمر سكري ملكي حبة كبيرة، والباقي يؤكل تمرًا فقط.